هذه المقالة تعتبر الجزء الثاني من مقالة أسرار لتكون من الصالحين واخترنا هذا العنوان لأنك قد لا تصل بأعمالك لتكون من الصالحين ولكنك تستطيع التقرب إلى الله فى كل وقت وحين وإليك أهم الأسرار:
تصدق بما تُحب:
من أسرع الطرق التى ترفع درجاتك لتكون فى صف الصالحين هى الصدقة؛ وخصوصًا لو تصدقت بما تُحب، ليس أى شىء تُخرِجَه وتُعطِيه للفقير يعتبر صدقة، فيجب أن يكون شىء ينتفع به الفقير، فإذا أردت أن تتصدق بطعام لا تخرج طعام فاسد انتهت صلاحيته أو ملابس مُهلكه؛ أو شىء لا يصلح للإستخدام!
فتصدق بملابسك القديمة شرط أن تكون صالحة للإستخدام فأحرص ألا تكون بها قطع أو مُهلكة، وسوف تنال أجرك عند الله، أما لو أردت أجر مضاعف ومنزله أعلى، فتصدق بماتُحب، فقال الله تعالى فى سورة أل عمران آيه(92):" لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ". صدق الله العظيم، ففى تفسير ابن كثير قيل فى معنى البر أى الجنة، وفى تفسير السعدى ورد فى قوله تعالى: ( لن تنالوا) أي: تدركوا وتبلغوا البر الذي هو كل خير من أنواع الطاعات وأنواع المثوبات الموصل لصاحبه إلى الجنة، وفى تفسير باقى الآيه قوله: (حتى تنفقوا مما تحبون ) أى من أموالكم النفيسة التي تُحبها نفوسكم، فإنكم إذا قدمتم محبة الله على محبة الأموال فبذلتموها في مرضاته، دل ذلك على إيمانكم الصادق وبر قلوبكم ويقين تقواكم.
ففى المثال السابق الخاص بالملابس فلو أردت أن تنال البر فتصدق بثوبك الذى تحبه الذى عندما صار قديماً وضيقًا عليك احتفظت به ولم ترميه؛ أو تصدق بنفس نوعية الثوب الذى تحبها وهى جديدة إذا استطعت بالطبع، وبذلك ستنال كامل الخير، لأنك اثبت لله عزوجل إن أى شىء مهما كنت تحبه فهو لا يساوى حبك لله؛ فحبك لله أكبر، فلا يعز عليك شىء أن تخرجه فى سبيل الله، وهذه درجة من الدرجات التى تجعلك ليس فقط فى صف الصالحين بل والمقربين إلى الله.
ذكر الله فعليًا وليس أليًا:
كنت اعتقد أثناء الطفولة أن الصالحين يقيمون الصلاة طوال الوقت فقط وهذا يرفعهم لأعلى الدرجات؛ وهذا غير صحيح فقد يصل العبد لمنزلة عاليه عند الله عزوجل بكثرة ذكره؛ فذكر الله فى حد ذاتها عباده، فإذا منعك العمل عن صلاة النافلة؛ وإذا منعك أطفالك أو عجزتِ عن الصيام لأنِك حامل أو تقومين بالرضاعة، أو كنت مريضًا فلا تستطيع الإكثار من الصلاة؛ فالنذكر الله كثيراً؛ وهذه هدية الله سبحانه وتعالى لنا إنه جعل طريق لأخذ حسنات بكلمات بسيطة تقال باللسان، وليس فقط الفوز سيكون حسنات؛ ضيف إليه زيادة قربك إلى الله عزوجل.
وهناك أدلة كثيرة نذكر منها ماورد عن عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم))؛ متفق عليه.
ولقد جاء فى شرح الحديث فى قوله (خفيفتان على اللسان ثقيلتان فى الميزان) قال الحافظ ابن حجر: وصفها بالخِفة والثقل، لبيان قلة العمل وكثرة الثواب، ممايدل على كرم الله الواسع سبحانه وتعالى.
وذكر الله ليست عملية آليه تقوم بها باللسان بمساعدة اليد فتجلس بسرعة البرق تسبح مائة مرة وتحمد خمسين مرة وهكذا، لا ثم لا فاحترس!
هذا لا يٌسمى ذكر! فأذكر الله بتأنى؛ تمعن فى كل كلمة ينطقها لسانك، فذكر الله يلزم أن يوجد فى قلبك قبل لسانك؛ ففى هذه اللحظة ستجد لسانك يذكر الله بدون شعور، فالمؤمن الصادق يبدأ أى شىء ببسم الله الرحمن الرحيم، ونجده إذا حدث له مكروه استغفر الله؛ وإذا وقعت به مصيبه يذكر قوله تعالى فى سورة البقرة ( الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ) ثم يدعو ويقول "اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرًا منها"، وإذا حدث له ما يُفرح قلبه حمدالله وشكره؛ وإذا ضاقت به الدنيا قال حسبى الله ونعم الوكيل؛ وإذا شعر بالضعف استعن بالله وقال لاحول ولا قوة إلابالله العلى العظيم، وإذا خرج من بيته توكل على الله؛ وإذا عاد بيته؛ وجاء الليل جلس وحيداً يناجى الله عزوجل وهكذا، فذكر الله له وجود فعلى فى حياته ليست مثلنا موجوده مع المسبحة على سجادة الصلاة وبعد ذلك لا يعرف اللسان أى ذكر.
من السهل على اللسان أن تستغفر مائة مرة أو تحمد ألف مرة، ولكن الذكر يتطلب أيضاً حضور القلب مع اللسان؛ فعندما تستغفر عشرة مرات بتأنى وأنت تتمعن فى كل كلمة وتتذكر ذنب عصيت الله فيه، خيراً من مائة استغفار قولتهم بسرعة لدرجة إن من يقف بجانبك لا يفهم ماتقول! وأنت نفسك قلبك وعقلك مشغول بشىء أخر! فمافائدة هذا الذكر إذن؟
جميل لو استغفرت مائة مرة أو ألف؛ ولكن بتركيز بحيث لسانك ينطق كل كلمة بشكل سليم حتى لو بصوت منخفض حتى لو همس المهم حضور قلبك مع الذكر، ولا تقول لا وقت عندى؛ فنحن يضيع منا الكثير من الوقت بدون داعى؛ فلماذا لا نذكر الله فيها؟
فأذكر الله فى المواصلات أو اثناء وقفك فى الطابور لقبض المرتب أو المعاش أو طابور العيش صباحًا أو فى أى طابور فى إحدى المصالح الحكومية أو كان الطريق مزدحم وأنت جالس داخل سيارتك تنتظر إشارة المرور، استغفر الله وأنت واقف داخل عربة المتر وقت الشعور بالضيق بسبب التكدس والزحام؛ وتذكر يوم الحشر؛ وقل "اللهم إنى أعوذ بك من يوم الحشر"؛ بدلاً من سب ولعن الدنيا، اذكر الله واكسب حسنات وتذكر إن الدنيا بما فيها من هموم ومشاكل ستنتهى والفرج قريب، لأنها دار فناء ووجودنا فيها مؤقت والحياة الحقيقة بعد الموت إما جنة وإنا نار، فماذا تختار؟
تذكروا دائماً الذكر ليس بالعدد فالعبرة بالذكر الفعلى، فالدقيقة التى وضعت فيها يدك على رأسك إرهاقًا من العمل اسغفر الله فيها ثلاثة مرات أو خمسة أو قل لا حول ولا قوة إلا بالله وأنت تعى كل كلمة فأنت تستعين بقوة الله على العمل الشاق الذى أنت فيه؛ فأنت هنا تذكرالله فعلياً ولا آلياً؛ فذكرك هنا خير من مائة مرة يتلفظ لسانك بشكل غير مفهوم كلمات تعتقد بذلك إنك تذكر بها الله والحقيقة إنك تدرب لسانك على السرعة ليس أكثر.
تذكرى الله وأنتِ تنظفين البيت، سواء تنظيف الآوانى أو الأرضيات أو تغيرى حفاضات الأطفال سوف يُهون عليكِ كثيراً، ولو كنتِ تحبين سماع الأغانى اثناء تنظيف المنزل لا بأس ولكن تارة استمعى للأغانى وتارة استمعى للقرأن واذكرى الله؛ فهذه حسنات بدون مجهود ولا تعب؛ وبركه فى بيتك وتقرب إلى ربك، ولكم أن تختاروا من الذكر ماتشاؤن؛ فقل استغفر الله العظيم مرة، والحمدلله مرة، وسبحان الله مرة ولاحول ولا قوة إلا بالله مرة، ولا إله إلا الله مرة، وسبحان الله وبحمده وسبحان الله العظيم، فللذكر فضل عظيم.
اصبر على حالك:
فأنت فى طريقك للوصول لله تحتاج للصبر، فلا تنسى إنه يوجد شيطان يجلس مترصد لك، فكل همه أن تنسى الله وتقع فى الذنوب والخطايا، وإنه سوف يُزين لك كل قبيح لتقع فى المعصية، ويُقبح لك كل جميل فتكره الطاعات، ويهول لك ظروفك أو مصيبتك فتكفر بالله ولا تتحمل الصبر، فاحترس وتمسك بالصبر ولا تتركه وعندما تجد صعوبة فى طريقك فأعرف أن أساسها الشيطان؛ فأستعن بالله ليصبرك.
وأعلم إنك مثوب على الصبر بجميع أنواعه وليس هذا فقط بل هذا الصبر ستنال به حب الله عزوجل والدليل الآية ١٤٦ من سورة آل عمران: { وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ } كما قال تعالى: فى سورة الزمر أية10{ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}. فالصابر حبيب الرحمن.
والأعظم من ذلك إنه قيل والله أعلم إن الصبور ينال بصبره فقط منزلة تفوق منزلة العابدين فقد يفوز الصابر على تحمل المصائب والكوارث درجة تفوق من يظل يصلى ويتعبد فى مسجد أو خلافه، والدليل ففي سنن الترمذي وابن ماجه ومسند أحمد من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجراً من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم))
ومن يشكك فليتدبر بعقله؛ فماالأصعب؟ أن تنعزل فى مكان بمفردك تصلى فى سلام بعيداً عن إيذاء الناس؟ حتى لو قلت إنك تُصلى ألف ركعة وتصوم كل يوم، هل هذا أصعب من العيش فى ظروف صعبة مع أشخاص يقومون بإيذائك طوال الوقت؟ هل هذا أصعب من أن يُضرك أقرب الناس إليك ولا يراعوا حسن معاملتك معهم؟! والمطلوب منك دينياً أن تصبر رغم ذلك وتظل تُحسن إليهم ولا تعاملهم بالمثل؛ فالله ربنا رب القلوب يعلم مافى نفوسنا؛ فقد يرى عابد يصلى ليل نهار ولكنه يعلم إنه لا يقوى على تحمل مصيبة واحدة تحملها شخص ملتزم بالفروض فقط؛ ولا يقصر ولكن مشغوليات الحياة تمنعه أن يتعبد أربعة وعشرون ساعة كالراهب.
الصبر واجب:
والصبر ليس صفة زائدة يختارها المؤمن أو يرتكها كما يشاء، ولكنه أمر من الله عزوجل على كل مؤمن والدليل من كتاب الله فى قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } (آل عمران :200 )؛ ومن الأمور المرفوضة من يبتدع فى الدين ويدعى إن الصبر مجرد طباع ليس أى شخص فى مقدورة تحمل الصبر، وهذا مفهوم خاطئ، فلو كان هذا الصبر يستحيل على بعض الناس لماأمر الله عزوجل به من الأساس، ولجعل له رخصة لتركه كما رخص الله الإفطار فى رمضان للمريض، لأن الله لا يكلف نفس أكثر مما تطيق.
الصبر من الإيمان: ولهذا أمر الله به، فالإيمان ليس صفة واحدة ولكنه مجموعة صفات كثيرة منها الصبر، فالصبر هو الذى يفرق بين المؤمن القوى من المؤمن الضعيف بل هو الذى يفرق بين المؤمن والكافر، والصبر لا يتوقف على تحمل المصائب والظروف الصعبة أو تحمل بعض العبادات عندما تشعر بصعوبة، ولكن الصبر على مجاهدة نفسك بألا تقع فى معصية فهذا من أعظم الطاعات فأنت تصبر بقوة على ألا ترتكب كبيرة من الكبائر رغم ماحولك من فتن، تحرم نفسك عن الحرام حتى لو كنت فقير؛ فأنت تتحمل كل ذلك لأجل الله عزوجل، فهذا السلوك العظيم يقدره الله أعظم تقدير.
الصبر المحمود: قال العلماء إن الصبر درجات، أما الصبر المحمود الذى يحبه الله فهو كما روى البخاري عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى» وأخرجه مسلمٌ، لأن الصبر عند الصدمة الأولى شَّاق على النفس، وكما قال أبو طالب المكى صاحب كتاب قوت القلوب: إن كل شيء يبدو صغيراً ثم يكبر إلا المصيبة؛ فإنها تبدو كبيرة ثم تصغر، فاشترط لعظم الثواب لها عند أول كِبَرِها قبل صغرها.
ويؤكد الإمام القرطبي على الصبر عند الصدمة الأولى لأنه يدل على قوَّةِ القلب وتثبته في مقام الصبر.
واعتقد أن كل ماسبق عن علماءنا منطقى جداً فأى شخص عندما يهدأ من ثورته بسبب مصيبته ويتذكر الله قادر على الصبر، ولكن ليس أى شخص قادر على التحمل عند الصدمة الأولى، لأنه لن ينسى الله بل ويستعين به على مصيبته،
والله يحب هذا النوع من الصبر وهو الذى تحدث عنه فى سورة البقرة فى قوله تعالى:" {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155)الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ(156) أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ(157)} فذلك هو الصبر الذى إذا وقع صاحبه فى كارثة يتذكر الله فوراً ولايقول مايغضبه ويظل على صبره ولو طالت فترة الابتلاء، والله أعلى وأعلم.
ولقد ورد فى تفسير الطبرى للآيات السابقة الآتى: حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس في قوله: " الذين إذا أصابتهم مُصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه رَاجعون أولئكَ عليهم صَلوات من ربهم وَرحمة وأولئك هم المهتدون " قال، أخبر الله أنّ المؤمن إذا سَلّم الأمرَ إلى الله، ورَجع واسترْجع عند المصيبة, كتب له ثلاث خصال من الخير: الصلاةُ من الله, والرحمة, وتحقيق سَبيل الهدى. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَن استرْجع عند المصيبة، جبر الله مُصيبته, وأحسن عُقباه, وَجعل له خَلفًا صالحًا يرضاه.
وخلاصة ماسبق من أسرار للتقرب إلى الله أنا تجعل حب الله فى قلبك أولاً؛ فلا يوجد أغلى من حب الله لك فتصدق بما تُحب؛ واذكر الله كثيراً مادام تريد القرب والعيش فى معيته؛ واصبر فالصبر من الطرق التى تقربك إلى الله وترفعك لدرجة أعلى من العابدين والصالحين، فتمسك بالصبر ولا تفقده حتى لا يفسد إيمانك وتخسر حب الله عزوجل؛ وتيقن إن مع العسر يسرا.
بقلم: منة الله بنت محمد
تعليقات
إرسال تعليق