نسف القيم والولاء للمال:
الأب الذى يحقر من شأن بلده أمام ابنه، لأنها نامية، ولأنه لا يحصل على مايريد، وإنه يتمنى لو كان ينتمى لدولة غنية ممن يتنعم مواطنيها بمميزات عديدة.
فأنت بهذا السلوك تعطى لابنك إشارة أن حب الوطن والولاء يأتى بحجم مايحصل عليه من مال وعطايا ومنح، وهذه أول كارثة؛ لأنك بذلك تجعل ابنك شخصية ماديه يقيس كل شىء حسب المادة، وولائه سيعتمد على المادة، فيحب البلاد التى تهبه بالمال حتى ولو كانت بلاد الأعداء.
فاحذر لأن ابنك قد ينقلب عليك أنت شخصيًا لو فشلت فى تحقيق رغباته وتصبح وقتها مثلك مثل البلد، وولائه سيكون للمال وحده.
حياة بلا أمل:
عندما تُعلم طفلك إنه منتمى لبلد متخلفة؛ وكل من حوله فاشلين؛ وإنه فاشل مثلهم ولا أمل فى هذا البلد، ومن فلح هو فقط من سافر وعاش فى الخارج؛ فهذا الطفل عندما يكبر ويصبح شاب ومن ثم رجل فأقل القليل إنه لا يمكن أن يحب بلده، ولا يخفى سيكن الكره لها ولأهلها.
وسوف يتوهم بالبلد الأخرى المتقدمة، ويظن إن من يذهب إليها سيصير ناجح فالح ذو ثروة؛ ويحيا حياة كريمه؛ بدون ذل أى تعب، ووقتها لن يبذل أدنى جهد فى بلده، ولما يحاول مادام زرعتوا بداخله اليأس؟ فلا فائدة من العمل فى بلد متخلفة.
التحقير من الناس:
فى أى عمل يقوم به شخص من ابناء الوطن فهو عمل حقير دون المستوى، ولا يعترف بكفاءته إلا عندما يُقدر به فى الخارج، مع إن هناك من يعمل بجد ويجتهد، ولكنه للآسف لا يتم احتسابه.
وماسبق يقود إلى حالة عدم الرضا، فصار ابنك لا يرضى عن أى شىء لا البلد ولا الناس، وناقم على عيشته فيها، ولو حدث أى انجاز حققته بلده أو قامت بأى إصلاح، لن يرضيه.
تبرير الخيانة:
حينما يساهم مجتمع بأكمله فى تكوين شخصية الخائن، ففى أسرته يخبروه إنه حمار وفاشل؛ وففى المدرسة يخبروه إنه لافائده من تعلمه؛ لأن التعليم متأخر فى بلده المتخلفة؛ وأن جيله أسوأ جيل وإنه عندما يتخرج لا يجد عمل، ومن يجد يكون بالوسطة حتى وصل بعض الشباب إنه لم يحاولوا أن يبحثوا عن عمل.
وتجد الأم تبحث بين الأقارب وتدعو الله ليجد ابنها عقد عمل فى الخارج؛ لأن هذا هو طوق النجاه الوحيد لابنها.
ومع كثرة الإحباط العام، وارتفاع الأسعار وسوء الأخلاق، والجهل ييأس الشاب، والمصيبة الكبرى إنكم تخبروه إن الطيب هذا أحمق وأبلى (أهبل وعبيط)، وينصح الأب ابنه ألا يكون طيب، والمفترض ألا يضع النية الحسنة؛ مما جعل كثير من الشباب يتعجبون لو وجدوا من يفعل خير أو يعمل بضمير.
المصيبة الحقيقية أن يكبر الشخص وهو معتقد إن الفقر والجهل والظلم أسباب منطقية لكى يخون الإنسان بلده التى عاش فيها، مع إن غالبية العظماء إن لم يكونوا كلهم عاشوا فى ظروف قاسية؛ وتلك القسوة هى التى جعلت منهم عظماء بعد ذلك، والأمثلة كثيرة.
لحظة الخيانة:
المشكلة ليس أن تخطئ؛ ولكن المشكلة أنك لا تشعر إنك تفعل مايُعيبك، بل وتبرر أفعالك وتتمادى، والأكثر من ذلك نشر فكرك الفاسد.
فكل ماسبق ذكره يجعل الشاب متهيىء لبيع ليس فقط بلده بل ونفسه، فلو جاءت له الفرصة سوف يترك البلد أو يخونها وهو مرتاح الضمير! ولماذا ضميره يُأنبه؟ فالبلد سئية وأهلها فاسدين؛ ولكى يعيش فيها لابد أن يكون فاسد مثلهم؛ وأنه لا توجد أدنى فائدة فى إصلاح البلد، فهو عندما يخونها لن يأنبه ضميره، بسبب مازرعه أهله بداخله من كره البلد وعدم الإنتماء بدون أن يشعروا.
ومايُضحك إن الابن عندما يكبر أول مايترك أو يخون هم أهله، وترى الأهل الذين يتعجبون من سفر الابن للخارج لسنين طويلة دون أن يفكر للعودة وزيارتهم، ولماذا يزوركم؟ فمقاييس المال لا تعترف بالتضحيات والحب، فقط المصلحة وحدها هى المُعترف بها، وهذا مارباه أهله عليه.
من المستفيد:
لمن قرأ المقاله الخاصة بعمرك سبيت نفسك التى تحدثنا فيها عن إننا شعب نسب أنفسنا، ودائماً نصف الشعب بالتخلف والجهل والفساد وإنه سيظل يعيش فى ظلام؛ ولم نسأل أنفسنا مرة من المستفيد من الحاله السيئة التى يعيشها الشعب من عدم احترام نفسه وتقدير ذاته؟ ولا أبالغ لو عممت الحديث على كل شعوبنا العربية.
من المؤكد إن المستفيد هو عدونا اللدود؛ فعندما تريد أن تدمر شخص اجعله لا يحترم نفسه ولا يثق فيها؛ ويكون اليأس هو عنوانه، وهنا سيظل يعيش فى فشل وتأخر ويزداد ضعفاً وتهونا، لدرجة يكره نفسه ومادام كره نفسه، فمن الطبيعى إنك يكره الأرض التى عش فيها، ومن ثم يكون من السهل جداً أن يخونها ويصبح عميل لدولة أخرى؛ عرفتم كيف يولد الخائن؟
اقتل الخائن:
والحل هو قتل شخصية الخائن بداخل ابنك أو بنتك التى كنت أنت السبب فى زرعها، والتمسك بالقيم ليس بالمال، فأنت تحب الشخص الذى يحبك لأجل نفسك لا لأجل مالك، علم أطفالك ذلك، أحب أبى من علمنى وأدبنى، لا لأنه يعطنى مصروف كبير، أحب أمى لحنانها واحتوائها؛ لا لأنها باعت ذهبها لأجلى، لتوفر لى المزيد من المال.
القصد هنا ليس إنكار العطايا المادية التى يمنحها لك أبوك أو أمك؛ بالعكس ولكن الغرض هو أن لا تمحى مزايا أبوك كلها وتختذلها فقط فى إعطاء مصروف أو شراء سيارة أو قطعة أرض حتى، فهل لا ترى فى أبيك مميزات أخرى غير العطايا المادية التى يعطيها إليك؟
وكذلك الأم ألا تتذكر لها أى شىء فعلته لأجلك غير كونها باعت ذهبها أو أين كان لأجلك؟ كثير من الابناء ينقمون على أباؤهم وأماتهم، لأنهم لم يستطيعوا تقديم مايقدموه أباء أصدقائهم، فيلم الابن أبيه لأنه لم يساعده فى الوصول لوظيفة أحلامه مثل والد صديقه، أو يلوم أمه التى لا تمتلك ذهبا لبيعه ليسافر مثل والدة صديقه، لا تجعل حب ابنك لك أساسه المال، فيحبك لو معك مال ويكرهك لو عجزت عن تلبية احتياجاته.
اطرق باب الله:
القيم والمبادئ ليست شعارات؛ ولكنها من الدين، نسينا إن إتقان العمل عبادة ليس فقط لأجل المرتب أى ليس كثرة المال ماتجعل الموظف يعمل وقلته تجعله يقصر، فأنت مطالب بتأدية واجبك، ومن ظلمك فى أجرك ( مرتبك) فالله سيحاسبه، نسينا هذه المعانى، وغفلنا تعليمها لابنائنا.
اليأس من صفات الكافرين، والمفترض إننا مؤمنين،
ألم يذكر فى القرأن بالتحديد سورة يوسف (وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)(87) وذكر فى أكثر من موضع فى القرأن نفس المعنى، فالمؤمن لا يعرف اليأس، قد يمر بسقوط؛ ولكن يعود ويقف من جديد، فهناك أمل فى إصلاح مافسد، لا تقولوا لا فائدة.
نحن لسنا فى معلقين الدنيا بلا عائل ولا سند، فالله ربنا هو السند، فمن تُغلق أمامه الأبواب، ويُظلم من حاكم أو ذى سلطان، فيلجأ لمالك الملوك، فباب الله دائماً مفتوح، لا يترك نفسه للشيطان، ولا يبرر الفساد من سرقة وقتل وخيانة، فسيدنا يوسف تعرض للظلم أكثر من مرة، وأصبح عبد يباع، وسُجن وهو برئ، فلا تبرر الخيانة.
وفى الختام لا تزرع داخل طفلك صفات الخائن، فحب الوطن ليس من الشعارات، والفقر والجهل والظلم ليس مبرر للخيانة؛ وقلة المال ليس مبرر للتكاسل، ولكنها ابتلاءات تبين معدن الإنسان الصالح من الفاسد، علم ابنك يحبك لذاتك لا لأجل مالك، ولو أراد المتع من مال وخلافه فليس عيبا، فعلمه أن يطمع فى جنة الله سبحانه وتعالى، وأن يطلب مايريد من الدنيا بالحلال وبمايرضى الله، فلن أقول لك اجعله يزهد فى الدنيا رغم إنها زائلة، ولكن أقول لك كما ورد فى القرأن من صفات المؤمنين الوسطيين
{ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) }سورة البقرة فنحن نريد نحيا فى الدنيا حياة طيبة وفى الآخرة أيضاً ولا ندخل النار، لا أن نتمتع فى الدنيا وننسى الآخرة، وفقنا الله جميعاً للخير.
كتابة: منة الله بنت محمد
تعليقات
إرسال تعليق