التخطي إلى المحتوى الرئيسي

قصة قانون التصالح فى بعض مخالفات المبانى

 


    ٖ  قضية الموسم، والحقيقة إنها قضية قديمة، فمن سنين طويلة تعود لعهد الرئيس السابق مبارك، كان يتم بناء مبانى كثيرة مخالفة وبالأخص الأبراج، وكان كثير من الموظفين الشرفاء يعانون من اختراق القوانين بشكل مبالغ وفيه، ولكن كما يوجد موظفين شرفاء يوجد موظفين فاسدين يتخذون الرشوة  مصدر دخل أساسى لرزقهم، فالمخالف يجد كثير من أيادى الفساد تساعده مقابل المال، وبالطبع لا يقوى الشرفاء بمفردهم لأن أعدادهم قليلة أمام الكثير من الفاسدين.



من المذنب فى قضية مخالفات البناء؟


 مماسبق يتضح أن الفساد لا يقتصر على من يقوم بالبناء فقط، فهم أقل فسادّ ممن يملكون سلطة فى يدهم ويستغلونها، لأن السلطة تجعل الفساد قوى، وممازاد الأمر سوءًا بعد قيام الثورة طغى الفساد وانتشر وتوسع، وأصبح من كان يبنى أمس فى الظلام، صار يبنى فى نور الشمس أمام الناس.


وفى ظل غياب الدولة زاد إهمال الموظفين ولم يعد يوجد رقابة، واختلط الأبيض بالأسود، وتاه الشريف وسط الفاسدين، فمن يكان يريد أن يبنى بشكل رسمى ويتخذ الإجراءات القانونية لم يجد من يتنبه له فاضطر للبناء والعيش، أما الفاسدين فانتشروا وأصبح المخالفات صارخة، وليس من العدل معاقبة طرف وترك الأخر، فكل مقصر ومشترك فى المخالفة لابد أن يعاقب.


المظلوم فى قانون التصالح على المخالفات:

 

حدث ولا حرج عن عدد المظلومين من هذا القانون، فمن اشترى شقة ووضع فيها كل رأس ماله ثم اكتشف أنها مخالفة ويلزم إزالتها أو اكتشف أن عليه دفع غرامة تفوق قدرته المادية، ومن استقر فى بيت بناه سنين فى الريف بعد شقاء يتفاجىء بإزالته أو دفع مبلغ يفوق قيمة البناء نفسه وغيرها من المأسى، وبالطبع الحكومة نفسها تعلم جيداً هذا الظلم لهذا تم تعديل  القانون بعد صدوره وتخفيف بعض من مواده، ولكن التعديل لم يرفع كل الظلم عن الجميع.



تطبيق قانون التصالح:


القانون على الورق يبدو جميل وعادل جداً، ولكن عندما تم تطبيقه على أرض الواقع، ظهر كثير من الظلم، فما ذنب زوجة وأولاد قام عائل الأسرة ببناء منزل ومات وعاشوا فيه عشر أو عشرين عامًا وليس لهم مروى غيره، وبين يوم وليلة يجدون أنفسهم  مشردين فى الشوارع! فمن المؤكد من شرع القانون لم يحب أن يرى هذا المشهد، فالقانون وضع لينظم حياة الناس ويمنعها من الفساد، والظلم.


 لهذا فإذا نتج ظلم عن أى قانون، على الجهات المعنية تعويض المتضررين، لهذا على كل مسئول أن يراقب المتضررين، وأن يعطى الأولوية لتطبيق روح القانون على سيادة القانون، فحب الوطن يقضتى إظهار الصورة على حقيقتها لإصلاحها، لا إخفائها وتركها فاسدة.



المجرم القوى فى قانون التصالح:


من العدل تطبيق القانون على الجميع على حداً سواء، لا على الضعفاء فقط، فتنفيذ القانون يلزم أن يسرى على القوى قبل الضعيف، والغنى قبل الفقير، فالمقولة التى دائماً نسمعها عند تطبيق أى قانون، إنه يطبق على الضعفاء فقط، لهذا اتمنى من كل مسئول يحرص عند تطبيق قرارات الإزالة إنه لا ينسى منزل أى رجل ذو نسب أو ذو سلطان أو رجل أعمال، مادام قام ببناء منزل مخالف، فلا استثناء لأى شخص بنى حتى لو كان يعمل فى النيابة أو القضاء أو أى منصب ذو نفوذ فى الحكومة، فهذا هو أساس العدل.


كذلك  لابد معاقبة كل موظف شارك فى منظومة الفساد تلك، فكما أشارنا مسبقًا إن المجرم الأقوى فى قضية المخالفات هو الموظف الذى ساعد بطريقة ما، أو بإهمال فى ترك المخالفة سنين، فعلى القانون معاقبة كل المذنبين فى نفس الجريمة ولا يتغاضى عن أحد.


كلمة حق:


اتمنى من الله عز وجل أن تصل رسالتى لأعلى مسئول فى الدولة يقدر أن يصلح الفساد بمايرضى الله، فقانون التصالح على بعض مخالفات البناء تطبيقه على أرض الواقع كان عادل للبعض فقط، وظالم للبعض الآخر، ولا أبالغ لو قلت إن عدد المتضررين من القانون أكثر، خصوصًا فى ظل الظروف التى تمر بها البلاد من انتشار وباء كورورنا وتوقف الحياة وغلاء الأسعار، فتوقيت تنفيذ القانون جاء فى وقت صعب.


 هناك على الاتجاه الآخر وعود بالتعويض، تحتاج أيضاً  لتنفيذ سريع مثل تنفيذ قرارات الإزالة، وكل موظف الكبير قبل الصغير يحتاج لمراقبة تطبيق القانون وتحقيق ميزان العدل، فقرارات التعويض تحتاج لإشراف صارم من أعلى سلطة فى الدولة.


وأخيراً على الدولة بكل مؤسساتها أن تضع الرحمة فى تعاملها مع الناس فهدم منزل حتى لو مخالف ليس بالأمر السهل، فنحن نريد عقوبة تردع  الفاسد ليرجع ويصير مواطن صالح، لا أن نضعه يقع فى أيادى مستغلة تريد خراب البلد، وتجعله عنصر إرهابى، فلا مزيد من الإرهاب والبلطجة يكفى مانحن فيه، فعلى المسئولين أن يوصلوا الصورة الحقيقة للحاكم حتى يستطيع أن يحكم بعدل لا أن ينافقوا ويتخلوا عن المسئولية،  وعلى الحاكم أن لا يثق فى أراء البعض لأنهم منافقون، يمدحون الحاكم فى وجوده وعندما يرحل يعيبوا فيه كما عالبوا فيمن سبقوه، والله ولى التوفيق.


              منة الله محمد فؤاد

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كيف تتعلم المحاماه بمفردك؟

      تحدثنا فى المقالة السابقة عن أهم أداة يحتاج لها المحامى لينجح فى المحاماه، وهى أن يكون لديك لغة عربية فصيحة، وبالطبع هناك أدوات أخرى يحتاج لها المحامى.  ولكن قبل الخوض فى تفاصيل المقالة لو لم تقرأ المقالة السابقة؛ عليك قراءتها لأنها امتداد  لهذه المقالة للذهاب إليها اضغط هنا . ماهى الأداة الثانية لنجاحك كمحامى؟  المحامى فى العصر الحالى يختلف عن المحامى فى الماضى، وهذا أمر طبيعي، لأن العالم نفسه تغير، لهذا عليك أن تطور من نفسك كمحامى لتواكب العصر.   وكما أن اللغة العربية تحتاج لها فى شتى مناحى عملك في المحاماة من مرافعة وكتابة المذكرات وغيرها، فأنت أيضاً محتاج للغة العصر، وهى مهارات الحاسب الآلي (الكمبيوتر) وبالطبع لا ينفصل عنه الإنترنت.  هل المحامى المبتدىء هو وحده الذى يحتاج للغة العصر؟      لا يختلف الأمر لو كنت محامى مبتدىء أو خبرة كبيرة في المحاماة، فلا غنى عن الحاسب الآلي والإنترنت، فهما يمثلان لغة العصر الحديث وأدوات تساعدك أى شخص على النجاح فى أى مجال.   أما بالنسبة للمحاماة فسوف تساعد كثيراً كل درج...

أسرار لتكون من الصالحين

   إذا أردت أن تكون من الصالحين، إذا أحببت التقرب إلى الله عزوجل؛  فأبدأ مباشرة فى طاعته بنية خالصة؛ وكن عندك إصرار وعزيمة، ولا تترك أى شخص أو شيء يمنعك من الوصول لله، وكن واثق إن كل صعوبة فى البداية ستواجها أنت مثوب عليها؛ وإصرارك على العبادة سيرفع منزلتك عند الله سبحانه وتعالى ووقتها سيجعل العبادة سهلة عليك لدرجة إنه يقربها لك بشكل تتعجب أنت منه، وفيما يلى نقدم إليك بعض الأسرار التى تساعدك إن شاء الله لتكون من الصالحين.  بمن تستعين؟ بأهلك؟ أم أصاحبك؟ أم تعتمد على نفسك فقط؟ فأعلم أن كل ماسبق لن ينجح وحده بدون الله؛ فاستعن بالله وحده؛ كل فرد منا لديه نقطة ضعف أو أكثر هى عبارة عن العراقيل التى تمنعه عن طاعة الله عزوجل بشكل تام أو عن تأديتها بشكل سليم، والحل هو الاستعانة بالله نفسه ليس بالبشر؛ فقد ينسى أخوك إيقاذك للفجر أو تمرض أمك فلاتقدر على القيام لإيقاذك أو يغفل صديقك أو ينشغل عنك بظرف طارىء أو يموت أبوك الذى كنت تعتمد عليه ليعينك على طاعة الله عزوجل. لهذا فأنت  فى حاجه لشخص لا يموت ولا يمرض ولا يغفل ولا يشغله شىء عن شىء، ولا تأخذه سِنة ولا...

أسرار التقرب إلى الله

هذه المقالة تعتبر الجزء الثاني من مقالة أسرار لتكون من الصالحين واخترنا هذا العنوان لأنك قد لا تصل بأعمالك لتكون من الصالحين ولكنك تستطيع التقرب إلى الله فى كل وقت وحين وإليك أهم الأسرار: تصدق بما تُحب: من أسرع الطرق التى ترفع درجاتك لتكون فى صف الصالحين هى الصدقة؛ وخصوصًا لو تصدقت بما تُحب، ليس أى شىء تُخرِجَه وتُعطِيه للفقير يعتبر صدقة، فيجب أن يكون شىء ينتفع به الفقير، فإذا أردت أن تتصدق بطعام لا تخرج طعام فاسد انتهت صلاحيته أو ملابس مُهلكه؛ أو شىء لا يصلح للإستخدام!  فتصدق بملابسك القديمة شرط أن تكون صالحة للإستخدام فأحرص ألا تكون بها قطع أو مُهلكة، وسوف تنال أجرك عند الله، أما لو أردت أجر مضاعف ومنزله أعلى، فتصدق بماتُحب، فقال الله تعالى فى سورة أل عمران آيه(92):" لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ". صدق الله العظيم، ففى تفسير ابن كثير قيل فى معنى البر أى الجنة، وفى تفسير السعدى ورد فى قوله تعالى: ( لن تنالوا) أي: تدركوا وتبلغوا البر الذي هو كل خير من أنواع الطاعات وأنواع ...