يظن البعض أن الغيب هو معرفة المستقبل فقط، ولكن الغيب هو العلم الخفى عن الناس سواء حدث فى الماضى، أو حتى فى الحاضر، فالعبرة بالعلم الذى يجهله الناس، فعلى سبيل المثال قد يكون فى أرضك بترول، ولكنك لا تعلم ذلك فيدخل وجود البترول فى علم الغيب حتى تكتشفه.
ومن كرم الله علينا أنه جعلنا نضطلع على جزء من علم الغيب عنده، فهو سبحانه علام الغيوب، ولكننا للآسف ننسى، أو لاندرك غير بعد فوات الآوان، أو بعضنا يجهل ذلك من الأساس بسبب بعده عن الله عزوجل وجهله بأمور دينه، وسوف نتعرض على ثلاثة جوانب فقط، من الأمور التى كشفها الله لنا حيث إن مقالة واحده لا تكفى.
كشف بداية الخلق:
ومن كرم الله بعباده أنه كشف لنا بداية الحياة البشرية، وأطلعنا على بداية خلق الإنسان وهو آدم؛ كما عرفنا على عدو الإنسان الأول والآخير وهو الشيطان، الذى رفض طاعة الله مستكبراً حيث جاء فى سورة البقرة قوله تعالى "وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34) صدق الله العظيم"
ولقد ورد ذلك أيضاً فى أكثر من موضع فى القرآن، فورد فى سورة الكهف، وسورة الأعراف، وسورة الحجر، وسورة ص، وكلها تأكيد من الله عزوجل على عداوة الشيطان للإنسان، فعلينا الحذر منه.
ولقد شرح لنا الله عز وجل كيف خدع إبليس أبونا آدم وأمنا حواء ليوقعهما فى معصية الله، ويخرجهما من الجنة، وذلك حتى نعتبر، ولقد ورد أيضاً فى أكثر من موضع، نذكر منها ماورد فى قال تعالى فى سورة البقرة "وَقُلۡنَا يَٰٓـَٔادَمُ ٱسۡكُنۡ أَنتَ وَزَوۡجُكَ ٱلۡجَنَّةَ وَكُلَا مِنۡهَا رَغَدًا حَيۡثُ شِئۡتُمَا وَلَا تَقۡرَبَا هَٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيۡطَٰنُ عَنۡهَا فَأَخۡرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِۖ وَقُلۡنَا ٱهۡبِطُواْ بَعۡضُكُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوّٞۖ وَلَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُسۡتَقَرّٞ وَمَتَٰعٌ إِلَىٰ حِينٖ (36) صدق الله العظيم"
فكما وضحت الآيات أن الشيطان هو الذى أخرج أبوينا من الجنة بعدما جعلهما يعصيا الله عزوجل.
ومن محاسن القرآن الكريم ورحمة الله بعباده أنه كشف لنا ألاعيب الشيطان الذى يحاول بكل جهده أن يمنعنا عن الصراط المستقيم أى طريق الهداية، وسيظل خلفنا يحاول أن يُوقعنا فى المعاصى.
ومن خطط إبليس إنه يزين الحياة الدنيا فى عيون الناس، لينسوا ذكر الله وينغمسوا فى الشهوات، ثم يسهل عليهم ارتكاب الخطايا.
ولقد ورد فى سورة الأعراف ماينويه الشيطان للبشر فى قوله تعالى "فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ [١٦]ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ [١٧] صدق الله العظيم"
أخبرنا عن سر الحياة الدنيا:
ومن الأمور التى أكرمنا الله سبحانه وتعالى بها هى أنه أخبرنا مسبقاً إننا سنتعرض للإبتلاء فى هذه الدنيا، وبين لنا أن الدنيا عبارة عن اختبار كبير؛ ولابد حتماً على كل إنسان أن يتعرض للإبتلاء، فقد يكون الإبتلاء عبارة مرض أو فقر أو تضييق فى الرزق….ألخ
ومن حكمة الله وعدله ورحمته فى ذات الوقت أنه سبحان وتعالى جعل كل إنسان له ابتلاء مختلف عن أخيه، فالإبتلاء يتناسب حسب إيمان كل عبد، ويتماشا معه، فهناك من يبتلى بالفقر، وآخر يبتلى بالمرض، وثالث مبتلى بالعقم..ألخ.
كماأن الإبتلاء ليست شرط أن يكون إبتلاء فى الشدائد، فهناك ابتلاء حسن فمن يبتلى بالغنى أو الشهرة ألخ، ويعتبر ذلك أيضاً اختبار للإيمان أيضاً، فهناك من ينسى الله عندما يعطيه الله المال الوفير، ولا يعطى حق الفقراء فى الزكاة!
وبالنسبة لمن اعطاه الله الشهره فهذا أيضاً ابتلاء، من جانب هل سيستغل العبد شهرته ويدعو للخير أم ينسى ذكر الله ويتكبر؟! وغيرها من الإبتلاءات الكثير فهى لا حصر لها.
وسبحان من أخبرنا مسبقاً بأننا سنتعرض لأشد الإبتلاءات، ليجعلنا نتهيىء نفسياً ولا ننصدم، فالله يختبرنا ويساعدنا على الاختبار بل ويبشر من يصبر عليه، ولقد ورد فى سورة البقرة قوله تعالى
"وَلَنَبۡلُوَنَّكُم بِشَيۡءٖ مِّنَ ٱلۡخَوۡفِ وَٱلۡجُوعِ وَنَقۡصٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡوَٰلِ وَٱلۡأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَٰتِۗ وَبَشِّرِ ٱلصَّٰبِرِينَ (155) ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَٰبَتۡهُم مُّصِيبَةٞ قَالُوٓاْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ (156)أُوْلَٰٓئِكَ عَلَيۡهِمۡ صَلَوَٰتٞ مِّن رَّبِّهِمۡ وَرَحۡمَةٞۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُهۡتَدُونَ (157) صدق الله العظيم"
لهذا من المفترض أن نتوقع وقوع الإبتلاء فى أى وقت خصوصاً إن الله عز وجل ذكر لنا ذلك فى قرأنه.
وعلينا أن نستعين بالله عزوجل فى مواجهة البلاء؛ ولكن تذكر أن المساعدة الربانية تأتى لمن يصبر ويرضى ويدعو الله لكى يعينه، لا لمن يتمرد ويسخط.
كيف تعرف الغيب الخاص بك (مستقبلك)؟
من رحمة الله أيضاً إنه أعطى لكل مسلم الوسيلة التى يقدر من خلالها معرفة أمر خاص بمستقبله، فأنت تستطيع معرفة معلومة أو أكثر عن مستقبلك الذى فى علم الغيب.
فعندما تحتار من أمر ما، أو كنت متخوف من الأقدام على مشروع أو زواج أو التقدم لوظيفه معينه؛ لن تحتاج غير أن تتوضأ وتقف بين يدى الله وتصلى ركعتين استخارة.
وتعتبر صلاة الإستخارة من محاسن الإسلام، وتُعد فضل كبير من رب العالمين، فالإستخارة هى التى تستطيع من خلالها معرفة جزء من الغيب الخاص بك فتأخذ منه الخير، أو تبتعد عن الشر الذى قد يؤذيك.
ولقد حث النبى (صل الله عليه وسلم) على صلاة الإستخارة فى أى أمر، فلقد ورد فى حديث عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا، كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ يَقُولُ: ((إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ العَظِيمِ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي - أَوْ قَالَ: عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ - فَاقْدُرْهُ لِي، وَيَسِّرْهُ لِي، ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي - أَوْ قَالَ فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ - فَاصْرِفْهُ عَنِّي، وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِي الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ أَرْضِنِي به ))، قَالَ: ((وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ)
وهذا الحديث يدل على فائدة صلاة الإستخارة لكل مسلم، فليس شرط أن يكون الإنسان مذبذب فى أمر ما كما اعتدنا بل قد يكون هناك أمر انت مُتخذ فيه قرار خاطىء يضر بحياتك، فالأفضل أن تصلى استخارة فى أى أمر، لأن الله سبحانه وتعالى أعلم بما هو أصلح لك منك.
وأخيراً إن المؤمن الحق لا يلجأ إلى عرافة أو دجال أو ساحر، لكى يعلم ماحدث فى الماضى أو ليسأل كيف يتعامل فى الحاضر أو ليعرف ماذا سيحدث له فى المستقبل؟ فالله هو عالم الغيب والشهادة، فيكفيه اللجوء إلى الله عزوجل، فهو خير معين على أى مشاكل تمر بها أو أى صعاب تواجهها، وهذا من رحمة ربنا بنا إنه يبين لنا المنهج الذى لو درسناه جيداً سننجح فى الامتحان الذى وضع لنا فى هذه الدنيا، فالله يعيننا جميعاً.
الكاتبة: منة الله بنت محمد
تعليقات
إرسال تعليق